اقتصاديات النزاع في سوريا الجذور والديناميات ومسارات التغيير
النزاع السوري الذي أتم عامه التاسع، كان كارثياً على المجتمع، ومن الشائع وصفه بأنه من أكثر النزاعات تدميراً واستعصاءً في العقود الأخيرة، نتيجة تعقيده الشديد وعنفه. لقد غيّر النزاع الاقتصاد السوري جذرياً ليطغى عليه اقتصاد العنف. وفي هذا الإطار تركز هذه الورقة، التي تعتمد مقاربة الاقتصاد السياسي، على تشخيص “اقتصاديات النزاع” وتحديد السياسات والاجراءات التي تحركه وتعززه، والجهات الفاعلة التي تتبنى هذه السياسات. كما تؤطر الورقة “اقتصاديات النزاع” ضمن فضائها الإقليمي والدولي وما يتسم به من عسكرة واستقطاب وغياب للتكافؤ. إذ تعمل سياسات قوى التسلط وممارساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على إدامة النزاع والتفاوت وتأجيجهما. وفي ضوء ذلك تتبع الورقة المسارات والبدائل، الممكنة للخروج من اقتصادات النزاع في سوريا، وتلبية احتياجات التنمية البشرية الأعمق بطريقة منصفة ومستدامة.
تنطوي مقاربتنا لاقتصاديات النزاع على ثلاثة أبعاد. أولها يشير إلى التحولات والتشوهات التي أصابت الاقتصاد السوري جراء النزاع، فتردها إلى الأفعال الواعية أو الخيارات السياسية أو التدخلات المتنوعة لمختلف الفاعلين؛ وبدلاً من التركيز على مجموعة ضيقة من الفاعلين أو بعض الأنشطة الاقتصادية، فإننا نوسع التحليل ليشمل مجموعة كاملة من الترابطات ذات المستويين الإقليمي والدولي. أما البعد الثاني فيبحث في كيفية قيام الدول، والجهات الفاعلة الغير دولاتية بتسيس الاقتصاد وتسخير السياسات الاقتصادية لمواصلة النزاع المسلح. ويشير البعد الثالث إلى قدرة السياسات وآثارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الاستمرار في منطق النزاع حتى في حالة وقف القتال، أو بعبارة أخرى كيف تكون السياسات التي ترسّخ وتعمّق الظلم والقمع استمراراً للنزاع المسلح بوسائل أخرى.
إن ورقة المناقشة هذه هي الأولى من سلسلة منبثقة عن منتدى الحوار التنموي، وهي مبادرة جديدة يطلقها المركز السوري لبحوث السياسات، ويسعى من خلالها إلى دعم التحليل النقدي للتحديات التي يطرحها النزاع السوري واستكشاف بدائل سياساتية لمواجهتها، مع تحليل آثار السياسات المستمرة، التي تنفذها الحكومة السورية والجهات الفاعلة الأخرى على المستوى المؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي.
ورقة المناقشة هذه هي الأولى من سلسلة من أوراق نقاشية التي تركز على اقتصاد العنف في سوريا. ويشمل ذلك دور المؤسسات العامة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الفاعلة الخارجية بما في ذلك الحكومات الإقليمية والدولية والهيئات الأممية والمؤسسات الإنسانية.
الغاية من هذه الورقة هي وضع إطار عام، وليس تقديم تحليل شامل أو حصري لمختلف جوانب النزاع؛ فالسياسات، التي نرصدها، والجهات الفاعلة فيها، والنتائج المبيَّنة في الجداول المختلفة هي أمثلة لتوضيح أدوار الفاعلين وتحديد العوامل وشبكات العلاقات المساهمة في تشكيل اقتصاد العنف في سوريا.
تحميل الورقة النقاشية باللغة الإنكليزية:
تحميل الورقة النقاشية باللغة العربية :