أولاً: الرؤيا
- إنسان سوري ممكَن معرفياً وأخلاقياً، متحرر من الجهل والفقر والغرائز والاستبداد والاستغلال،
- ضمن مجتمع حيوي حضاري منسجم محترماً شخصية الانسان ومحققاً كرامته،
- معززاً القيم الفكرية والأخلاقية النبيلة يطورها باستمرار،
- متمتعاً بثقافة غنية خلاقة ذات بعد إنساني،
- منفتحاً على الآخر،
- مستفيداً من تراثه لتحقيق نهضته،
- مساهماً بشكل فعال في الحضارة الانسانية مادياً وفكرياً،
- معززاً للاكتساب والانتاج العلمي والتقني كماً وكيفاً،
- قادراً على تكوين وتنظيم مؤسسات حرة وشفافة وفعالة وتشاركية ومساءلة وضامنة لحقوق المواطنة وواجباتها وللعدالة في بناء القدرات والفرص،
- مطلقاً حريات الفكر والابداع،
- مستثمراً لامكانياته في بناء اقتصاد قادر على حمل استحقاقات الرفاه والعدالة والتنمية،
- محافظاً على استدامة البيئة،
- ضامناً للحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الأجيال القادمة.
ثانياً: منطلقات الرؤيا
إن ثنائية العقل والأخلاق هي نواة سورية المستقبل، ويحتاج ذلك إلى إنسان متحرر من التخلف والاقصاء والتهميش ضمن مجتمع متنوَر ومؤسسات فاعلة لتكون أساس النهضة المرجوة، كما يحتاج أيضاً إلى التحرر من التفاوت العالمي من خلال بناء تحالف حضاري مع الدول التي تشارك المجتمع السوري قيمه وحلمه بهدف كسر العلاقات والسياسات الدولية الجائرة والانتهازية.
المنطلق الأول: الإنسان السوري
جوهر المستقبل الحضاري المنشود هو الإنسان من خلال احترام شخصيته وحقوقه وكرامته وحريته، ويكون الانسان الغاية والوسيلة في آن معاً. وشخصية الإنسان التي تميزه مرتبطة بقدرته العقلية والروحية وثقافته ضمن المجتمع الذي يعيش فيه.
يكون الانسان في سورية ممكَناً من خلال توفير الصحة والتعليم ومستويات المعيشة الملاءمة وتوفير الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك عدالة توفير الفرص بما يعزز كرامة الانسان. والعدالة المطلوبة تتضمن بعدين رئيسيين: الأول مناصرة الفئات المحرومة والمهمشة من خلال الاستثمار في الإنسان وخلق فرص ابداعية للتعلم والعمل والاندماج في العلاقات الاجتماعية والانتاج الحضاري. أما البعد الثاني فيتضمن توفير إمكانيات بناء القدرات وتوفير الفرص للجميع دون استثناء، وحماية حق الجميع في الحياة الكريمة والصحة المديدة والتنمية التضمينية وفرص العمل اللائقة، وتعزيز قدرتهم على قيامهم فعلاً بممارسة هذه الحقوق من خلال الفرص المتاحة.
المنطلق الثاني: المجتمع السوري
يتجسد هذا المنطلق في قيمة احترام الآخر، وهي سمة أخلاقية رفيعة تمثل الجانب الانساني الذي يمكَن من تفاعل حضاري ضمن التنوع الثقافي الغني للمجتمع فيخرج بثقافة متلاقحة جديدة ابداعية تعكس نسيج سورية المعقد والمتداخل بما يغني رأس المال الاجتماعي وييسر عملية بناء العقد الاجتماعي المطلوب للمستقبل. ان الحوار المجتمعي المبني على احترام الآخر يطور المجتمع ويعزز قيم الحرية والابداع والعمل ويقلص فرص الاستبداد والجهل، ويعرفنا بأنفسنا وبهويتنا. إن الأولوية هي للتفاعل الحضاري ضمن المجتمع السوري فبدونه سيصبح الحوار مع المجتمعات الأخرى بدون جدوى.
ضمن المجتمع السوري تعد العقلانية أحد أهم أركان النهوض بعد عهود من التخلف وضحالة الانتاج المعرفي وغيابنا عن المساهمة الحضارية الانسانية. إن احترام العقل وتنميته والاستثمار به يعد الخطوة الأهم في مسيرة تحرير الإنسان من خلال وظيفتين رئيسيتين: الأولى هي السيطرة على الطبيعة واستثمار مواردها مع المحافظة على استدامتهاـ وهذه أحد نقاط تميز الحضارة المعاصرة التي تقدمت أشواطاً كبيرة في مجال التحكم بالظروف المناخية واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية في عميات الانتاج، الأمر الذي راكم ثروات غير مسبوقة تعد أرضية رئيسية لتمويل النشاط الانساني والاجتماعي والثقافي المطلوب. أما الوظيفة الثانية فهي الانتاج والاكتساب العلمي كماً ونوعاً فتمكين الانسان علمياً ومعرفياً يعتمد على استخدام العقل و يكون مصدراً رئيسياً للتطور في كافة المجالات، وهذا يحتاج الى نظم تربوية وتعليمية متقدمة وجامعات ومراكز بحوث احترافية. كما يتطلب توفير الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتمثَل القيم الأخلاقية السامية.
المؤسسات في سورية المستقبل، التي تحدد القواعد الناظمة لأنشطة الأفراد والجماعات، هي الضامن لمشروع النهضة، حيث تقوم المؤسسات على أساس اتفاق مشترك على الرؤيا المستقبلية وأسسها وعلى العقد الاجتماعي، ويتم ذلك من خلال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عبر ترجمة الرؤيا المشتركة للمجتمع إلى بيئة توفر الامكانات والفرص المرجوة. ومؤسسات سورية المستقبل تطلق الإمكانات المادية والبشرية للمجتمع من خلال تمتعها بالكفاءة في معرفة احتياجات المجتمع وأهدافه ومحاولة تحقيقها بأفضل الوسائل، كما تتمتع بالشفافية والمساءلة حتى لا تنحرف عن الصالح العام الى المصالح الشخصية أو الأداء المتدني. ويتم ضمن هذه المؤسسات وضع الأهداف والخطط وتحديد الاحتياجات وصناعة السياسات والتنفيذ بمشاركة الجميع.
إن الدولة كمؤسسة محورية في سورية تتبنى التنمية الإنسانية وتعلب دوراً فاعلاً في توفير المناخ الفكري والابداعي والحياة الكريمة والتمكين والعدالة الاجتماعية والحريات العامة والرفاه المادي والقيم الأخلاقية السامية. إذ أن التحدي الحضاري الكبير بحاجة إلى تنظيم عال ومؤسسات احترافية يحكمها خدمة الصالح العام وقيم وأهداف المجتمع والعقلانية في ترجمة الطموحات إلى خطط وسياسات عملية قابلة للتنفيذ.
يلعب المجتمع المدني دوراً كبيراً من خلال المشاركة الفعالة لجميع أبناء المجتمع في تحقيق الرؤيا من خلال تطوير الحوار المجتمعي والدفاع عن مصالح الأفراد والجمعات وتعزيز التفاعل الثقافي المتنوع وقيم احترام الآخر والعقلانية والانتاج المعرفي، ومراكمة رأس المال الاجتماعي من خلال مؤسسساته المستثمرة في الثقة بين أفراد المجتمع وفي قيم التضامن والانسجام بين الجميع في سبيل خدمة الصالح العام. والمجتمع المدني الحيوي هو ضمير النهضة ومساند ومتابع للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مساهماً في تصحيح مسارها، مركزاً على أهمية العقل والفكر واحترام الانسان والعدالة الاجتماعية والأخلاق النبيلة في كل الأوقات.
التنمية المادية في سورية تستثمر الامكانيات وتعظم الفائدة منها في سبيل خدمة الانسان من خلال التركيز على المعرفة والابتكار كمصدر مستدام لها، مما يتطلب استثماراً في رأس المال البشري والاجتماعي والثقافي. وبما أن الفكر الانساني هو المصدر الرئيسي لاستدامة التنمية مادياً وإنسانياً، يفترض تمكين وإدماج كافة فئات المجتمع في هذه العملية واستبعاد التفاوت وعدم العدالة.
المنطلق الثالث: سورية والحضارة الإنسانية
يتجسد هذا المنطلق في مساهمة المجتمع السوري في الحضارة العالمية، ويرتكز على الانتاج المادي والعلمي والثقافي والتقني بما يغني الحضارة الانسانية، إن هذه المساهمة تحتاج الى منتجات الحضارة الانسانية من خلال قراءة نقدية واعية للمخزون الهائل من المعارف الذي تم انتاجه والاستفادة منها في بناء المخزون العلمي والمعرفي والتقني اللازم للتحول إلى شريك أساسي في الحضارة العالمية. مع ضرورة تجاوز مأزق الحضارة الانسانية بشكل عام والمتمثل في التفاوت الاجتماعي والاقتصادي ضمن الدول وبينها وانتشار قيم الاستغلال والاستئثار والترويج للغرائز وتفضيل الأولويات الفردية على الجمعية مما يشكل خطراً على مستقبل حضارة الإنسان.
كما يتطلب الاسهام في الحضارة العالمية التحرر من التحكم والسيطرة الجائرة للدول الأكثر نفوذاً والدفاع عن استقلال الوطن وتحريره من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. مما يتطلب المساهمة في بناء العقد الاجتماعي الانساني الذي يطوره الجميع لتمكين المجتمعات وتوفير الفرص العادلة للجميع في التطور والابداع مع الحفاظ على هوياتها وشخصيتها المميزة. إن التغيير في العلاقات الانسانية على المستوى الدولي هو مطلب ملح إذ لا يمكن أن يتحرر انسان قاطن في بلد مرتهن. ولا شك في أن العلاقات الدولية الحالية -والتي تعد نتيجة لخلل في الثقافة الحديثة السائدة في المجتمعات المتقدمة، في مجالات الاستئثار بالقوة وتعزيز الاستهلاك واستغلال الدول الأضعف والمبالغة في التركيز على الرفاه المادي- ساهمت في التفاوت الكبير بين المجتمعات انسانياً، ويقتضي قيام تحالفات دولية نحو تمكين الدول المهمشة والمقصاة لتشارك بفاعلية في الحضارة الانسانية.
في ذات الإطار سورية المستقبل دولة فاعلة في إقليمها الجغرافي والإنساني متفاعلة معه مؤثرة ومتأثرة به، تلعب دور النموذج الثقافي والفكري للمنطقة، رائدة في مجال استثمار المعرفة ومخرجات العلم في خدمة الإنسان. إن التفاعل الثقافي مع بقية دول العالم يعد حجر الزاوية في بناء تحالف له ثقل يسعى إلى عدالة أكثر وإنسانية أسمى في النظام الدولي.